الأحد، 26 فبراير 2012

ارتجالة الخميس 5 مايو 2011


مثير الارتجال هو مقال للمغمورة رضوى عادل شديد بعنوان " الطبيعة المزدوجة"
استقر علماء الطبيعة –وهو العلم الذى يبحث فى العالم والكون من حولنا ويسعى لتفسير ظواهره- على أن الموجودات إما أن تكون مادة أو تكون طاقة والمادة هى الشىء الذى له كتلة مثل كرة، ورقة، شجر، مبنى، حبة رمل. والطاقة لا كتلة لها وتسير فى موجات مثل الضوء، الكهرباء، الصوت، الحركة ... وكل منهما له قوانينه الفيزيائية الخاصة التى لا تطبق على الآخر.
إلى أن ظهرت نظريات فيزيائية جديدة فى مطلع القرن السابق من أشهرها نظرية الكم. ورغم اننى لا احب هذه النظرية إلا أن بها مبادىء لا يمكن تجاهلها بل لا يمكن تجاهل الإعجاب بها. ومبدأ الطبيعة المزدوجة مبدأ من المبادىء التى تقوم عليه نظرية الكم، فيصف "دى براولى" الإلكترون –وهو أحد مكونات الذرة- أنه جسيم يصاحبه حركة موجية. وفى الواقع أن نجد شيئًا لا هو جسيم خالص ولا هو موجة خالصة لشىء صادم للفيزيائيين خاصة أن المعادلة التى تصف حركة الإلكترون يحتوى أحد طرفيها على صفة من صفات الجسيمات وهو الكتلة، والطرف الآخر على إحدى صفات الموجات وهو الطول الموجى.
لقد أثبت أحد الفيزيائيين "جورج طومسون الإبن" أن الإلكترون ذو طبيعة موجية وحصل على جائزة نوبل على هذا الإثبات لكن الطريف أن "جورج طومسون الأب" حصل على نفس الجائزة –نوبل- لأنه أثبت أن الإلكترون عبارة عن جسيم.
الإلكترون ليس هو الوحيد الذى يجمع بين صفات الموجة والمادة. بل إن الضوء أيضًا عبارة عن وحدات صغيرة جدًا تسمى فوتونات والمعروف أن الضوء موجات (أو طاقة) لكن المثير أن الفوتونات لها كتلة أثناء تحركها والكتلة تعنى مادة. وهذا السلوك الخاص بالضوء يمثل أحد الأعمدة التى تقوم عليها النظرية النسبية لأينشتين.
إنه لمؤثر فى نفسى جدًا أن أُفاجأ بأن هناك فى علم الطبيعة مايوصف بأنه مادة وموجة فى ذات الوقت ولكنه ليس صادمًا على أى حال بل وعلى العكس مطمئنًا جدًا فكلما أجد ظواهر الكون كله تؤول إلى نفس المسارات يطمئن قلبى أنه من البديهى بالنسبة لى أن يجتمع الشىء ونقيضه معًا حتى يتكاملا، قد لا يظهران معًا بل يطغى إحداهما على الآخر فتتجلى الأشياء فى صورة واحدة لكن هذا لا ينفى أن الصورة الأخرى متنحية بداخلها.
من منا لا يحمل الخير والشر معًا. لا يملك جسدًا وروحًا معًا. أعلم أننى أحمل جينات ذكورية من أبى لكننى أنثى وأظن أن ذلك القلم الذى أكتب به له هو الآخر طبيعة موجية لكن ضعيفة جدًا تجعلنا نعامله كمادة فقط. لكن ماذا لو وُضع فى ظروف أخرى وليكن حالة حرب أظننى لن أستوعب حتى من أين أتتنى –أنا- كل تلك القوة الهائلة لحمل هذا الآر بى جى والضرب به بشكل لا يمت للأنوثة بصلة.
الطبيعة المزدوجة هى طبيعة كوننا لأن كل ما به ناقص يحتاج لمتمم ومكمل له. هذه الفلسفة ظهرت منذ القدم عند الطاويين الصينيين بمفهوم يشمل الحياة بأسرها وهو مبدأ "الين واليانج" فمبدأ الين السلبى المؤنث ومبدأ اليانج الموجب المذكر، وعن الين واليانج معًا ينشأ كل شىء فى العالم "الأشياء العشرة آلاف".
فى هذا النظام لا يملك جانب بمفرده الحياة، بل يوجد كلاهما فى تفاعل تكاملى مع الآخر. الين واليانج معًا يشكلان التوازن والانسجام. وعلى الرغم من التقابل لا تعارض بينهما ولا تضاد. وعلى الرغم من الاختلاف يتمم كل منهما الآخر. ثمة حركة متواصلة بينهما بلا بداية ولا نهاية، فعندما يصل اليانج عند لحظته الختامية يتجلى الين حينئذ وحينما يكتمل الين يبدأ اليانج مجددًا. والرمز الممثل لهذه العلاقة:
ين                                                              يانج
- شعور                                                       -تفكير
- شمولية                                                      تحليلية
- حس الجماعة                                                تنافس
- حدس                                                       حواس
- معنوى (غير محسوس)                                    محسوس (مادى)
- سلبى                                                      إيجابى
- بارد                                                       حار
- الإيروس (العشق)                                        اللوجوس (العقل)
لم يفصل العلم الصينى (الناشىء تحت مظلة الفلسفات الصينية) الروح عن المادة ولا العقل عن الجسد، لقد تجنب العلم الصينى تلك المعرفة المجردة لمنطق إما (أ) أو (لا أ) وذلك من أجل علاقات القوتين التى لا تستبعد أحدهما الأخرى.
بل الجميل فعلاً أن اجتماع النقيضين يقوى إحداهما الآخر.
يقول "كارل يونج" –عالم النفس- "أن كل فرد يبلغ الكلية "wholeness" فقط عن طريق ارتقاء وتكامل كل من مبدأ الذكورية والأنثوية معًا" فمن المثير حقًا أن الرجل كلما ارتقى بصفات أنثوية مثل الرعاية والحدس لن يبدو أنثويًا بل ذا ذكورية أرسخ ولكن من دون هشاشة الدفاع بعنف الرجولة. وبالطريقة نفسها حين تستجمع امرأة صفات التمييز والتفكير الواضح تستطيع أن تفعل ذلك بطريقة موغلة فى الأنثوية، حيث يخفف الحنو من حدة العقل الذكورى.
خلاصة القول أن الكون ثنائى القطب وأننى أرى أن كل ما به هكذا، فلم أجد حتى الآن مغناطيس أحادى القطب ولم أجد إنسان روح خالصة أو جسد خالص، ولم أجد لحظة سعادة لا تنطوى على شىء من الحزن أو حتى لحظة حزن لا تومض بها شرارة سعادة.
قد يغلب النقيضين أحدهما على الآخر، لكن هذا الآخر سيظل متنحيًا –وتنحيه لا ينفى وجوده- حتى تتحين الفرصة ليتجلى، أو قد لا تحين أصلاً.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق