الجمعة، 24 فبراير 2012

الارتجالة الخامسة عشر: اتولد لما.. مات


من بين الأغراض ينتقي صندوق قديم، يضع الصندوق على الأحجار المتكومة بالخارج، يخمش بأظافره جوانب الصندوق حتى يفتحه.
ومع فتحه للصندوق وتسرب رائحة الزيتون التي طالما تخيل أنها تعبق (الشال الفلسطيني) الذي يحتفظ به دائمًا.. تتسرب ذكريات الحظ العاثر إلى وجدانه وتملأ جنباته.
يُخرج المصحف الذي احترقت أطرافه أثناء الإنتفاضة الأولى ويتذكر ركضه المذعور من البيت المحترق.
يُخرج رسمة "ناجي العليّ" الأشهر.. التي تمثل "حنظلة" والتي تعجب دائمًا وتساءل كيف يكون ظهره يحمل كل هذا الحزن؟!! يُخرجها ويتذكر أيام عمله في الإغاثة بكوسوفا والضربات المتلاحقة تنهال من (الناتو) تُصيب مرة وتُخطئ مرة.
يضعها جانبًا. بينما أزيز الطائرات يقترب.. يُخرج عقد الصدف الذي أهدته إياه جدته، ويتذكر أثناء عمله في الإغاثة بـ(قانا).. يتذكر هذا وهو يرى الدم الجاف على العقد.
يُخرج جهاز التسجيل الصغير الذي أعطاه إياه ذلك الطفل في دارفور بعد أن استطاع أن يعالج والده.
تدوّي القنابل المنهمرة من الطائرات.. بينما تبصق المدافع جحيمًا على ما تبقى من المدينة..
يدرك أنه أُصيب بعد أن نظر خلفه ليرى خيطًا من الدم يتلوى وراءه.
يضع جهاز التسجيل على اللافته التي تحمل اسم المدينة.. كان الموت يتلاعب برأسه فلم يُميِّز اسم المدينة هل هو "مصراته"؟ أم "درعا"؟ أو ربما "تعز".. أو "أيبي"؟
يسقطه التساؤل دون جواب..
يشرع جهاز التسجيل في العمل.. ينطلق منه حشرجة وأنين وصفارات.. قبل أن يتشبع هواء القرية بصوت الشيخ إمام:
"ده منطق العصر السعيد.. عصر الزنوج والأمريكان
الكلمة للنار...والحديد.. والعدل أخرس أو جبان"
كريم فراج

هناك تعليق واحد: