الجمعة، 23 مارس 2012

الارتجالة التاسعة عشر، ارتجالة نجيب محفوظ: قبل السقوط


قبل السقوط يعود كل شئ للتجسد والتكوين. تستعيد الحياة قوتها مركزة في لحظة خارجة عن نطاق الزمن. يجلس جمصة منتظرًا حكم الموت القادم. أن تُحتز رقبتك أو أن تقتل بالسم أو أن تدفع من أعلى جبل شاهق لهو أمر لا يساوي لحظة الحيرة والتفكك: هل ما فعلته يا جمصة كان صوابًا؟ لماذا تترك خلفك كل شئ من أجل فكرة غير محددة المعالم تتحرك كأسراب النمل الشرس تحت جلدك تنهش العظم واللحم لتدفعك لفعل شئ ربما كنت لا تؤمن به أصلاً؟
عُد إلى صوابك وارجع لما كنت فيه، صحيح أنك متهم بجريمة قتل لواحد من كبار القوم، لكن واحدًا مثلك في الدهاء وسرعة البديهة لن يُعدم وسيلة تجعله يعتلي القمة مرة أخرى.
قبل السقوط يعود كل شئ للتجسد والتكوين. تستعيد الحياة قوتها مركزة في لحظة خارجة عن نطاق الزمن، ورغم وقوف السيَّاف شاهرًا بلطته الحادة مشهرة فوق رقبة جمصة، كان جمصة يبتسم ابتسامة غير مفهومة وقد راحت الفكرة ذات المعالم غير المحددة تتشكل لتعدو شيئًا مفهومًا وحميمًا. اتسعت ابتسامة جمصة في نفس الوقت الذي هوت فيه البلطة.

عارف فكري

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق