الخميس، 11 أبريل 2013

الارتجالة الثلاثون: النص الثاني


مثير الارتجال: (طبيب، الأزهر، 1919)

استيقظ على صوت عذب يصدح في سكون الليل ينادي "حي على الصلاة.. حي على الفلاح"، فقام منشرح الصدر متمنيًا بدء يوم أفضل من سابقيه. خرج من غرفته ليقابل زملاءه في المسكن ذاهبين لأداء الصلاة في جامع الأزهر حيث يوفر الأزهر لهم سكنًا للطلبة المغتربين الأزهريين. بعد أداء الصلاة عاد إلى بيته ولم يقف مع الزملاء لسماع أخبار الانجليز وما فعلوه في بلده الحبيب.
كان يدرس الطب ووضع أمامه هدفًا أن يصبح طبيبًا ناجحًا وتكون هذه هي مهمته، لم يهتم بالسياسة قط. كان يسمع زملاءه دائمًا يتحدثون عن من عينه الخديوي وهو لا يستحق ومن كان عميلاً للانجليز رغم امتلاكه المال، من الممكن التماس العذر للفقير ولكن من يملكون المال لا عذر لهم، ومن تخلى عن بلده ليحصل على لقب الباشوية.
كان هدفه أن ينجح ويعود لبلده الفقير المنهك ولوالده المسن حتى يفخر به ويحقق حلم والدته المتوفاه.
في طريقه للكلية يقف عند بائع الكتب، كان يهوى القراءة يجد فيها عالمًا جديدًا محببًا للنفس، ينفصل بها عن العالم. وكان يكتب بعض أفكاره وخواطره أملاً أن يصير يومًا كاتبًا.
إلى هنا حياته رتيبة يتجاهل الأحداث الدائرة حوله ويركز في دراسته إلى أن حدث ما يستحق لتغيير هذه الحياة.
كان عائدًا إلى سكنه إثر انتهاءه من المحاضرات، يخطط ليومه؛ سينهي وجبته وينام ساعتين ثم يقوم ينهي واجبات مادة الانثروبيولوجي وبعدها يقوم بتجارب معادلات الفارما. يريد فهم مكونات الدواء الذي يحارب فيروس ....
"اتركني  اتركني وشأني يا حقير"
أفاق من شروده على صيحة نسائية عالية تطالب بالمساعدة. فأخذ يتلفت حوله ويبحث عن مصدر الصوت الذي صار يتعالى، وبدأ بالنحيب والصراخ (حدد) اتجاه الصوت وجرى مسرعًا وعندما وصل هاله ما رآى.. وجد جنديًا انجليزيًا يحاصر فتاة وقد نزع ملاءتها اللف عنها ويمد يديه الدنسة عليها وهي تقاومه وتصيح وتبكي. فألقى كتبه وجرى وانقض عليه من الخلف ماسكًا إياه من كتفيه وجذبه بقوة وكال له اللكمات والفتاة تلملم ملابسها وتحاول ستر نفسها. ولكن الجندي لم يكن بمفرده، ففجأة جاء زميلين له وقيداه من الخلف وكالوا له اللكمات وضربوه بمؤخرة السلاح على رأسه من الخلف فسقط وبدأت الرؤية تهتز ورآهم يجرون الفتاة وهي تصرخ وتصيح. حاول القيام.. حاول دفعهم ومساعدتها، شعر أن شرفه هو من ينتهك واسودت الدنيا. عندما أفاق وجد الدماء تغرق الأرض والفتاة عارية غارقة وسط دمائها وفي صدرها ثقب رصاصة في موضع القلب.
قام منهارًا لا يقوَّى على المسير. عاد إلى سكنه لا يدري ماذا يفعل، شعر بغثيان وانهيار تام وفجأة أخذ يضرب برأسه في الحائط، وبدأ بالبكاء بكاءً لم يبكه من قبل حتى عند وفاة والدته. فجأة شعر بكلمات زملاءه التي كان يظنها شعارات أن بلده قد اغتصب شرفه ويجب أن يثأر لهذا، أخذ يبكي ويصرخ ويضرب رأسه في الحائط إلى أن أُغشيّ عليه.
أفاق على ضربات توجه لوجهه ورائحة نشادر قوية تتخلل مسام أنفه وعقله، وجد زملاءه في الغرف المجاورة يحيطون به وعيناه زائغه وبدأ بالبكاء مرةً أخرى.


سهام محمد عبد الحميد

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق