السبت، 28 سبتمبر 2013

متاعب نجيب محفوظ مع السلطة


     أما عن متاعب نجيب محفوظ مع السلطة فلم يكن نجيب محفوظ من الطامحين في السلطة أبدا، فقد رأي أن سلطة الأدب أسمي وأرفع وأبقي من السلطة الإدارية، إلا أن ذلك لم يمنعه من تناول قضايا الوطن السياسية والاجتماعية بمنتهي الجرأة، الأمر الذي تسبب له في الكثير من المتاعب، فكانت أولي روايته التي سببت له صدام مع السلطة هي رواية " سائق القطار"  التي نشرت في جريدة الأهرام، تدور أحداثها حول سائق قطار يفقد صوابه، ويتسبب في حادث تصادم مروع، فقد صور البعض هذه القصة علي أنها تمثل جمال عبد الناصر وانه يقود البلاد إلي مصير مروع، ولم ينقذ نجيب محفوظ من هذه الموقف سوي محمد فريد أبو حديد رئيس تحرير مجلة الثقافة، الذي استخلص مغزا آخر للقصة، وهو الصراع بين الشرق والغرب وان سائق القطار الولايات المتحدة الأمريكية التي تقود العالم لمصير كارثي.

       أما الأزمة الثانية فقد تمثلت في رواية " ثرثرة فوق النيل" التي انتقد فيها سلبيات المجتمع بعنف، الأمر الذي استفز المشير عامر، وجعله يتوعد نجيب محفوظ بالعقاب، ولم يخرجه من هذه الورطة سوي ثروت عكاشة حين شغل منصب وزير الثقافة، فقد استدعاه جمال عبد الناصر ليأخذ رأيه فيما ورد بالرواية من نقد، إلا أن ثروت عكاشة دافع عن الرواية، وطالب أن يتوافر للأديب قدر من الحرية، لينقل صورة واقعية حقيقية عن المجتمع، اقتنع عبد الناصر بهذا الرأي، الأمر الذي جعل المشير عامر يتراجع عن تهديده لنجيب محفوظ.
        وقد عاني نجيب محفوظ في الفترة التالية من مقص الرقيب، والمنع من النشر أحيانا، فقد منعت رواية " المرايا " وكذلك رواية " حب تحت المطر " من النشر في جريدة الأهرام، أما رواية " الكرنك "، التي تعرض فيها نجيب محفوظ لقضية المعتقلين السياسيين في عصر جمال عبد الناصر،فكانت أكثر رواياته تعرضا لمقص الرقيب، لدرجة أن نجيب محفوظ وصفها بأنها قد تم تشويهها، فالنص الأصلي للرواية يختلف كثيرا عن ما تم نشره، ورغم هذا التضييق الذي مارسته السلطة علي الأدباء في عصر جمال عبد الناصر، إلا انه كان مدركا لأهمية وجود هامش من الحرية، يكون متنفسا لهؤلاء الأدباء ويحسن صورة النظام في نفس الوقت.
        كانت أصعب متاعب نجيب مع السلطة في فترة حكم أنور السادات، حين وقع نجيب محفوظ كغيره من الأدباء علي البيان الذي اقترحه توفيق الحكيم اعتراضا علي حالة " اللا حرب " و"اللا سلم" التي مرت بها البلاد قبل حرب 73، أصدر السادات قراره بمنع هؤلاء من الكتابة والنشر، وقد نال نجيب محفوظ نصيبه من ذلك، فمنعت أيضا أفلامه من العرض في التليفزيون سواء المأخوذة عن رواياته أو تلك التي شارك في كتابة سيناريو لها، كما شنت ضده حملة موسعة في الصحف، استمرت هذه الأزمة إلي أن قرر السادات العفو عن الأدباء المعزولين، في خطابه الذي ألقاه في ذكري رحيل جمال عبد الناصر.
 صفاء سيد

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق