الاثنين، 24 مارس 2014

القصة الفائزة بالمركز الرابع مكرر في مسابقة مغامير للقصة القصيرة (الدورة الثانية)

غربة حب

"كم أكره الشمس لأنها تمنعنى من رؤيتك .. رغم أنها تذكرنى بضحى جبينك .. بشعاع ثناياكِ عند البسمة .. اشتقتكِ انسيّتى .. كيف حالك ؟؟ "
تصرخ مفزوعة من الهمس الذي يشبه الفحيح بأذنيها .. تستعيذ بالله جهرا عدة مرات ..
تلتفت حولها قبل ان تلهث جاهدة فى استعادة تماسكها : أنت ثانية !!؟ ماذا تريد منى !!؟
لِمَ تريد إيذائى !!؟
 انصرف ... أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ... تكررها ثانية وهى تلهث .. صوتها يعلو مرتعشا طالبا نجدة بكلمات تناثرت على لسانها قبل أن تنطلق ..
يتحول لون الغرفة من أبيض إلى أحمر خفيف يضفى جوا من الرومانسية المرعبة .... امتقع وجهها و هى تراقب تحول لون الإضاءة مع ظهور رائحة غريبة داخل الغرفة المغلقة .. يأتى من بعيد صوت موسيقى هادئة تسمعها تزيدها فزعا ....
يقول لها : ما رأيك فى هذا المناخ حتى تهدأى وتهدأ روحكِ أميرتى ؟
ما أطلبه من الله أن تسمحى لى أن أكمل لك ما أريده
 اتمنى الموت حرقا على أن أراكِ هكذا .. رغم أن الحرق لا يؤثر فيم هم من نار - مثلى- ... 
ويضحك ..
ضحكاته كانت أشبه بسيول من الطنين التى أتت لتهدم سدود أذنها التى لم تتحمل أولى قطراته .. شعرت بجيوش من الألم تخترق أذنها وصرخت عاليا ممسكة بأذنيها اللتين يتم اغتصابهما .. .. يدخل أهلها ليجدوها ملقاة على الأرض مهلهلة الثياب ممسكة بأذنيها ممتقعة الوجه وتهمهم بوهن : انصرف .. ابتعد عنى .. اوقف هذه الأصوات ... قبل أن تسقط مغشى عليها ... ويغادر تاركا اياها فى حالة يرثى لها .. ولكن ليس كرثاء حاله .
.
.

" أيوجد من هو أشقى منى فى الدنيا!؟ لا أظن ! 
.. ربااااااااااااه لِمَ لَمْ يكن الحب ماديا كى يُرى ويبدأ وينتهى ؟ ربما استطيع أن أتحمل حب من طرف واحد .. لكنى أعلم أن الآخر لم يحبنى .. ولن يحبنى ...
لكن الذى لم ولن اتحمله أن اجد فى حبى عذاب محبوبتى .. أغيب عنها لأجدها ترتاح لشقائى غير عابئة بنيران أقوى من سعير جسدى .
إن عدت لأروى ظمأ أشواقى من بستانها الفتان .. ينتهى اللقاء مثلما انتهى منذ قليل .. أكُل ذلك لأننى جنىّ !!؟ ماذا يعيبنى .. حبها .. أستطيع أن أفعل لها مالا يستطيع بشر .. إن حلمت بقصر مبنى فوق السحاب سأزرع معها ورود حديقته .. إن حلمت بخيوط من الحرير تكون أولها بين كفيها الرقيقين وآخرهما كرة من الحرير فوق القمر ...
رفقا يا رباه بمن هو من بنى جنسها
.... " محدثا نفسه بمرارة " .
يغادر ويصعد إلى اللا نهاية .. 
صورتها تصغر شيئا فشيئا حتى لا يبق منها سوى ألمها عند سماع صوته 
يأخذ الأب ابنته إلى الطبيب النفسى الخامس بعد العشرين .. يكشف عليها الطبيب بمهنية ... نيران الغيرة تحرق العاشق فوق احتراقه .. يتابعهما من سقف عيادة الكشف .. يطمئن الطبيب الأب الملكوم .. ابنتك سليمة .. يتألم من داخله .. قلبه يحترق مع تنهدات الأب القلق على ابنته ..
بدأت بالتحسن مع مرور الوقت .. لا يخلو من زيارات خاطفة ليذكرها فقط بوجوده تنتهى مثلما تنتهى كل مقابلاتهما .. انين وألم .. و خيبة أمل ...
بدأت الفتاة تتحطم نفسيا .. من كل رجالات الدنيا يحبها جن .. "ملبوسة" هى كما يُطلق عليها من كبار سيدات عائلتها ... لم يعد هناك رجل يجرؤ على الاقتراب منها حتى ولو بالسلام .. كانت البدايات صدفة .. حتى ربط كل المحيطين حولها حادثة جنون مديرها بالعمل فجأة منذ أن حاول التقرب منها حتى فوجئوا به فى اليوم التالى يتعرى بمنتصف الشركة وهو يتغنى باسمها ويدندن .. لم يهدأ حتى أتت الإسعاف وأخذته إلى مستشفى الأمراض النفسية التى مازال بعنبر الحالات الخطرة حتى الآن يتغنى باسمها .. الحكاية الثانية والتى لم تمر على زملائها بالشركة مرور الكرام هو حين عاقبها مديرها الجديد بالخصم صباحا .. أتى أمر من الإدارة بفصله ظهرا .. ولم يتوقف الأمر عن ذلك الحد بل سمع كل من بالشركة حادثة احتراق بيت المدير المفصول بغرابة شديدة حيث احترقت كل النقود بكل أنحاء المنزل .. حتى النقود التى بداخل محفظته وجدها رمادا ...
انتهى بها الأمر أن تركت العمل بعد نبذها من كل المحيطين حولها .. الأمر الذى أدى لإفلاس الشركة بنفس الأسبوع بعد كارثة بالبورصة كانت الأسوء منذ عدة سنوات ...
تحاول تذكر حبيبها .. الذى كان يمتلك ناصيتها ثم تركها عارية القلب على قارعة الطريق .. يشعر بغيرة قاتلة .. أبعد كل هذا وكل ما يفعله من أجلها تتذكر خائنا جرحها ونال شر جزاؤه .. فلم يحدث فى التاريخ أن رأى بشرا جنىّ ثم عاش بعد ذلك لحظة واحدة ... من رأوا جثة الحبيب وهى منتفخة كالمصعوق أقسموا أن المتوفى قد رأى من الرعب مالم يتحمله بشر ... أبعد ما فعلته بكل هؤلاء .. لا تحبيننى !!؟ أقاسية أنتِ هكذا !!؟ يلوم نفسه معتذرا عما بدر من احاسيسه تجاهها .. أنّى لهذا الملاك أن يعرف القسوة ؟ يحضر باقة من زهور قمرية .. حان الوقت ....
تشعر به يأتى من بعيد ... أصبحت الرائحة الغريبة سمة مميزة يبدأ ضوء المصباح فى التحول تدريجيا إلى اللون الوردى ... سأواجهه اليوم .همست لنفسها .. قالت وصدرها يعلو ويهبط بصوت أبى وان يخطو قدما خارجا فمها : لا خوف بعد اليوم ... يصل صوته التى تسمعه كأنه آت من ألف سنة ماضيه .. من غيابات سحيقة : أشعر باشتياقك .. أتشعرين بشوقى الذى يدفئك وحميك شر الزمان والإنسان .. قالت وقلبها يبحث عن سمِّ خياط ليهرب منه خارج جسدها . ما تريد منى ؟؟ وماذا فعلت لك حتى تؤيذيننى هكذا ؟؟
يقول متعجبا : أؤذيكِ ! ؟ أنا !! لو أن جميع من بالأرض أرادوا احراقكِ بى .. كنتُ بَردا وسلاما عليكى .. سعير حبك قد فاق سعير جسدى حرارة وألما .. ألم يأتِ بخيالاتك يوما كم من أرادك جسدا لغذائه .. ثم يبيعك من أجل وجبة أشهى منك .. ألم يفعل حبيبك – الإنسىّ – هكذا ؟؟ لم تصرين أن بنى الإنسان هم كائنات وجد الحب فقط من أجلهم .. كل من بداخله قلب يحب .. أنا أحبك .. أشهد السماء والأرضين والبحار وما بداخلهما أننى أحبك .. أتعرفين أن والدك يعلم الآن أننى أحبك .. قلتها بصوتى داخل قلبه .. وداخل قلبك .. لن تستطيعين نسيانى ....
يقتحم أباها الغرفة ليجدها فاغرة فاهها ناظرة لللاشئ.. ينادى عليها ولا ترد .. ينظر إليهم بحرقة قبل أن تبدأ أمها فى الاستعاذة بصوت جهور جدا وتتلوا بعض آيات من الذكر الحكيم الذى يحفظه أفضل منهم.. رشت بعضا من ملح الطعام .. ظلوا يحتضنونها ويتلون القرآن وهى ناظرة إليه فى جمود ..
بعد ذلك أتى شخص غريب ويرتدى ملابس غريبة ويهمهم بكلمات لا يتلوها إلا أحمق ... أمرهم بالخروج من الغرفة وأخرج عصا .. ثم بدأ بضربها بشدة .. قسوة لا تخرج من حيوان ..
الدماء تسيل منها وهو يحترق الما عليها ... لم يشعر إلا وهو يعطى " الدجال " درسا صغيرا ... نفخ فى أذنه نفخة صغيرة .. جعلت الدجال يترك العصا المغطاة بدماء محبوبته .. يسقط على الأرض يتلوى كمريض الصرع
بعد سقوط المجذوب وصراخه .. هبط لأول مرة حتى أصبح أمامها .. مس وجهها بأطراف يده فسقطت نائمة ... قرب فمه من أذنها ليهمس لها رسالة أخيرة: اطمئنى أيتها الملاك .. أنتِ فى حماية من لا يستطيع أحد ايقافه .. لن تمرضى ثانية .. لن تتغير أضواء غرفتك ثانية .. ارجعى لحياتك .. تزوجى .. املئى الدنيا بأولادك .. ولكن وعد منى لكِ .. ستشعرين يوما ما أن عشقى لكى ليس كما البشر .. عشق مجرد من شوائبه التى وضعتموها حتى زالت حلاوة العشق داخل علقم غرائزكم .. حين تعوديم ملاكا ستكونين لى .. ولى وحدى ... سأنتظرك طوال الأزمان .... غادر ... إلى الأبد
بعد خمس سنوات ...
ترقد بجوار زوجها الذى يغط فى سبات عميق بعد أن اطمئنت على نوم أولادها .. تحدق فى السقف .... لم تستطع أبد أن تنس حرفا مما قيل .. لم ولن تستطع نسيانه .. بعد فسخ خطوبتها مرتين وقد آل كلا الخطيبين إلى أسوء مآل .. وزوج عادىّ مجرد "ضل راجل" .. لم تنس يوما حبا ليس كحب من تعرف .. كان باستطاعتها العيش كملكة .. تطيل نظرتها إلى السقف عندما تلاحظ تغير الإضاءة إلى اللون الوردى ... تقول بصوت هامس : وأنت من أهل الخير .. عاشقى .... تنام.

أحمد عبد الله

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق