بطاقات
عالم السراب
- عزيزي.. هل
ستخلد إلى النوم الآن؟
= نعم ياأمي.. فلتصبحين على خير..
قبلت أمي جبيني
وتمنت لي ليلة هادئة وتركتني.. ولكن.. ليلة هادئة؟ ربما.. ولكنها لن تكون ليلة
هادئة أبداً..استيقظت في تمام الثانية صباحاً لأجد نافذة غرفتي مفتوحة على
مصراعيها، وكانت السماء تمطر بغزارة والرعد والبرق ينذران بوجود خطر ما بالجوار، فوقفت
وفركت عيني كي أرى بوضوح أكثر، ثم توجهت إلى باب الغرفة لكي أدخل المطبخ وأحضر
زجاجة مياه أضعها بجواري.. وعندما فتحت باب غرفتي شهقت من الصدمة.. لم تكن الصالة
هناك، ولا أميولا أي شيء يمت لشقتنا بصلة.. فقد كانت هناك غابة كثيفة الأشجار
ينتشر بها الضباب واستطعت أن أتبين وجود هيكل لجسم ما يتحرك.. قلت: "أنت..
لماذا تجري مسرعاً هكذا؟ توقف من فضلك.. أريد أن أعرف أين أنا ومن أنت وكيف جئت
إلى هنا؟" لكنه لم يعرني انتباهاً، وظل يجري فقررت أن ألحق به.. ولكنني لم
أفعل؛ لأنه استدارلأجد نفسي عاجز عن تحريك أي عضلة من عضلات جسدي من هول الصدمة..كان
هذا الرجل هو والدي الذي وافته المنية منذ عشرة أعوام!
-أبي؟ هل أنت
هذا حقاً؟
ولكنه لم يجب
واستمر في الجري فلحقت أنا به.. ثم رأيت ديناصوراً عملاقاً يجري بجانبي ويتأملني
بعناية.. ثم قال: "لم جئت إلى هنا أيها المتطفل؟ أنت لاتنتمي إلى هذا العالم."هل
أنا أحلم؟ كل هذا منافي للعقل والمنطق تماماً، فماذا يحدث الآن؟ ياليته حلم سأفق
منه عندما تأتي أمي لتوقظني كي أذهب إلى مدرستي في الصباح.. أنا أحلم.. نعم.. أفق
ياأدهم.. أفق الآن قبل أن يلتهمك ذلك الديناصور الناطق!ولكنني لم أستيقظ.. يبدو
أننيسأخوض ذلك الحلم السخيف للساعات المقبلة.. ظللت أجري أنا والديناصور وراء أبي
الذي ما إن وجد شلال في نهاية الطريق إلا وقفز من فوقه.. لهذا صحت: "أبي..
ماذا تفعل؟ ستموت مرة أخرى ياأبي؟ لماذا؟ أرجوك توقف وتحدث معي.. أرجوك ياأبى."
ولكنه لم يسمعنيلأنهكان قد قفز منذ دقيقة ليتركني مع ذلك الديناصور..نظرت إليه
وقلت: "ماالذى يحدث؟ هل تعرف أيها الديناصور؟"
-أنت في عالم
السراب.. ذلك العالم الذي يفصل بين الحقيقة والخيال.. وحتى تخرج منه، عليك أن تربح
كل المعارك التي ستخوضها الآن..
وهنا اهتزت
الأرض من أسفلي وتعالت صيحات أناس لم أستطع رؤيتهم في باديء الأمر، ولكنهم ظهروا
على حين غرة منيلأجد المكان من حولي تبدل ليصبح مسرحاً شبيهاً بالمسارح الرومانية
القديمة بدلاً من الغابة، وليختفي معها كل شيء حتى الديناصور ليتركوني وحيداً أمام
أسد عملاق.. على أنني كنت أرتدي زياً شبيه بزي المحاربين الإغريق في العصور الوسطى،
وكنت ممسكاً بسيف في يدي اليمنى ودرع حديدي في اليد اليسرى.. عليّ أن أخوض تلك
المعارك لكي أربحها وأعود إلى عالمي.. فلتساعدني ياربي..
كان الأسد يزأر
ليُكشّر عن أنيابه التى ستفتك بي في أية لحظة.. تقدم نحوى بخطى
ثابتة واثقة، وقال: "تتحداني الآن؟ سنرى من سيربح أيها الطفل الشجاع."
ثم اقترب مني وهو يحمل سيفاً ودرعاً مشابهاً لدرعيوهذا لأنه كان يقف على رجليه الخلفيتين
ليصبح في طول أبي.. فارتجفت من هول المشهد وتمنيت لو أنني ميت الآن.. ولكن مهلاً..
أنا ميت على كل حال.. سيفتك بي هذا الأسد في أي لحظة..
-ماذا تنتظر؟
هيا بنا.. فلتبدأ المعركة!
بدأنا نتقاتل
بالسيوف.. ضربة منه أتفاداها بدرعي، تليها ضربة مني يتفاداها هو بدوره.. ظلت
المعركة بيننا هكذا حتى فاجأته بضربة أسقطته أرضاً، فقال متوسلاً: "لاتقتلني
من فضلك.. أرجوك.. لدي ابن في مثل عمركسيصبح يتيماً مثلك إن قتلت أبيه." لهذا
تركته وقلت: "لن أقتلك سيدي.. طفلك أحق بروحك مني." فشكرني الأسد وأعطاني
بطاقة مرسوم عليها وجه أسد وأسفله عبارة واحدة تقول: العفو عند المقدرة.
وفجأة تبدلت
الموجودات من حولي لأجد نفسي في مزرعة كبيرة يقف آلاف المشاهدين بها ويهتفون باسمي..
ثم رأيت فزاعة تقترب مني لتقول: "والآن علينا أن نعدو باتجاه تلك الطواحين
حتى نصل إليها.. ومن سيفعلها ويصل قبل الآخر ستحقق له الساحرة الطيبة مايتمناه."
انبثقت فكرة
الرحيل عن هذا العالم المخيف المرعب والتمعت في عقلي.. إن فزت في السباق ستحقق لي
الساحرة الطيبة أمنيتي وتعيدني إلى عالمي..
-حسناً..
فلنبدأ السباق الآن..
وبدأنا نحن
الاثنان في الجري بأقصى سرعة لدينا وهو يباغتني بضربة منه وأباغته أنا بضربة مني،
ولكنني توقفت عندما رأيت صرصوراً عملاق يعترض طريقه..
-ساعدنى أرجوك
ياأدهم..
تحركت ناحيته
وأنا أبحث عن أي شيء يساعدني فوجدت أحد المشجعين يقذف بعلبة بها غبار ملون بالأحمر
والأسود والبرتقالي وقال: "سيساعدك هذا.. إنه غبار النجوم.. سيشتت انتباه
الصرصور للحظات فاستخدم تلك اللحظات جيداً واهرب أنت والفزاعة." وبالفعل
تناولت الغبار وقذفته في وجه الصرصور الذي ترك الفزاعة ونظر حوله لترتكز أنظاره
على شيء ما وليتوقف عن الحركة.. وهنا جريت أنا والفزاعة مرة أخرى.. ولكنني سبقته
إلى الطاحونة لأجد الساحرة الطيبة التي كانت ترتدي رداءاً أبيض اللون مرسوم عليه
نجوم صغيرة وكانت تحمل في يدها علبة صغيرة أعطتها لي قائلة: "عزيزي أدهم..
إليك تلك العلبة التي بها أمنية رهن إشارتك." ولكن الفزاعة أتت من خلفي تبكي
بصوت مسموع وتقول: "لقد أخفقت.. سامحني ياأبي.. أردت أن أعود إلى طبيعتي مرة
أخرى ولكنني خسرت."
سألتها: هل
تريدين حقاً تلك الأمنية؟
-نعم أريدها..
أبي مريض ويحتاجنيإلى جانبه..
لهذا أعطيتها
العلبة وقلت لها: "تفضلي." ثم ابتسمت لها وهنا أعطتني الفزاعة بطاقة مرسوم
عليها رأس فزاعة وأسفلها عبارة تقول: الغيرية والكرم.. وكما حدث من قبل تبدلت
الموجودات من حولي لأجد نفسي أسبح في بحر هائج.. ولكن كان هناك صوت أنثوي يستغيث..
-أين أنتِ؟
=أنا هنا
ياأدهم.. هلم بسرعة قبل أن يأتي الحوت ويلتهمني..
حوت؟ ياإلهي!
هذه معركة قاسية حقاً..
-هلم ياأدهم..
أبي سيحزن لوفاة ابنته الوحيدة..
قررت أن أذهب
وأن أجازف، فأنا لاأريد أن يحزن أبوها كما حزنت أنا على وفاة أبي، ولهذا تقدمت نحو
الصوت لأجد نفسي أمام سمكة وخلفها حوت يقترب منها.. فأمسكت بالسمكة ووضعتها في جيبيفتشبثت
هي به حتى لايراها الحوت ولكنه يراني أنا الآن لذا علي أن أهرب في الحال.. كنت أسبح بكل ماأوتيت من قوة كي
أتفادى ذلك الحوت الضخم الذى قال من خلفي: "لن تبرحمكانك.. هذا هو اختيارك
ياأدهم.. اخترت أن تنقذها وتعرض نفسك للخطر، فعليك أن تتحمل نتيجة اختيارك." وهنا
تصاعد الدم إلى رأسي وصحت فيه قائلاً: "أنت عديم المشاعر بلاقلب أيها الحوت
العملاق.. تلك السمكة تحب أبيها وينتظرها هو في بيتهما.. وأنت تريد أن تلتهمها..
لماذا؟ من فضلك اتركها تعيش في سلام." اقترب مني وضحك، ثم قال: "لا.. بل
سأبتلعكما أنتما الاثنان." وفتح فمه الضخم وابتلعنا..
-أنا آسفة حقاً
ياأدهم.. لم أقصد أن أورطك في مثل تلك الأمور..
= لا ياسمكتي
الصغيرة.. لا تبالي.. كنتِ ستفعلين الأمر نفسه إن كنتُفي مأزقٍ ما..
وفجأة توجهت
السمكة لصندوق أسود صغير، وقالت: "افتحه من فضلك لنرى مابداخله." وفتحته
بالفعل لأجد بداخله بطاقة أخرى مرسوم عليها سمكة صغيرة ومكتوب أسفلها: مساعدة
الضعفاء..
ثم تبدلت
الموجودات من حولي على غرارالمرتين السابقتين لأجدني قد عدت مرة أخرى لتلك الغابة
الكثيفة الأشجار وأجد أبي واقفاً وخلفه الباب نفسه الذي أتيت منه ليقول لي: "عزيزي..
أنت فتى شجاع حقاً.. لقد ساعدت الجميع على الرغم من أنه كان باستطاعتك أن تختار العودة
إلى عالمك ولكنك فضّلت مساعدة الغير وهذا فعل نبيل حقاً." ثم اقترب مني وضمني
بحنانٍ قائلاً: "أرسل تحياتي إلى والدتك." ثم فتح الباب لي لأجد غرفتي
كما هي ولكن.. كان هناك شخص ما نائم في سريري.. اقتربت منه لأجده جسدي أنا! مامعنى
هذا؟ وهنا وجدت أمي تقول لذلك الشخص: "استيقظ ياأدهم كي تذهب إلى المدرسة."
وسرعان ما وجدتني أذهب إلى ذلك الشخص –الذي هو أنا- النائم على سريري لأجد جسدي
وجسده توحدا معاً ليصبحا جسداً واحداً.. استيقظت بالفعل وعدت إلى جسدي مرة أخرى
ليتلاشى كل شيء وتعود غرفتي كما كانت، ولكنني وجدت البطاقات في يدي.. وهنا فهمت كلشيء.
أنا حقاً أجيد الإسقاط النجمي!قلت لأمي: "أبي يرسل
تحياته إليكِ." وهنا أدركت أن رحيل أبي ليس حتمياً، وأننا نعيش في الواقع
لنكتشف أننا ينقصنا أشياء لانجدها إلا في عالم الخيال، وأن جسدي الأثيري سيحلق في
فضاء عالم السراب كل ليلة ليجد فيه الحقيقة التي لن أجدها في عالم الواقع ماحييت..
زينب محمد
طه
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق