الثلاثاء، 21 يونيو 2011

الارتجالة العاشرة، يوليو 2010: حضارة


الهواء البارد يخترق ثيابي، يتسلل إلى داخل قميصي المبلل بالعرق فتتملكني الرجفة، نظراتهم تجردني من ثيابي، جلودهم البيضاء في لون الثلج، نظراتهم الزجاجية، الهواء البارد الخانق، مئات المؤثرات التي سأذكرها كلها...
كلما ماذا؟ غالبُ الظن أن هذه هي النهاية، لقد أتعبتهم وأتعبوني، يتقدم كبيرهم ليجردني من ملابسي بعصا، يربت على جلدي الأسود ويتكلم بلغته التي لا أفهمها.
يوصل أقطاب جهاز ضخم برأسي فأرى على شاشاته الضخمة لقطات تنساب من وعيي
اللقطة الأولى:
أرى أمي تتلوى من الألم، أرى أبي القلق يحاول ألا يبدو كذلك، حكيم القبيلة لا بد أن يبدو حكيما.
اللقطة الثانية:
رحلتي إلى الجنوب،صعبة هي الغربة، ولكنها المعرفة الثمينة.
اللقطة الثالثة:
مات أبي، رجال القبيلة يجنمعون حولي، من الآن أنا حكيمهم لقد غرهم أني أعرف لغة أهل الجنوب، غرهم أني ورثت عن أبي مكتبته، ونظرته الحزينة أيضا، ليتني كان لدي حكمتك فعلا يا أبت، وإلا لما كنت وقعت في الأسر.
اللقطة الرابعة:
رحلة الصيد المشتركة تلك، البيض يحاوطونني من كل اتجاه، يعاملونني كخنزير بري، يقيدونني، يحملونني كالمتاع.
ليتني تعلمت لغتهم كما تعلمت لغات أهل الجنوب وأهل المشرق، ليتني أستطيع أن اخبرهم أن أبي هو حكيم القبيلة.
يقول العالم الأبيض شارحًا لتلاميذه: "وهذا نموذج جيد للإنسان البدائي، نلاحظ أنه عار تماما من مقومات الحضارة، فهو لا يتكلم بلغة معروفة، يرتدي هذه الثياب الغريبة، ويبدو مما رأيناه على الشاشة الذاكرة المتسربة من وجدانه وطريقة حياة مجتمعه القبلي.
 
محمد عادل

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق