الخميس، 8 سبتمبر 2011

الارتجالة الثانية عشر أكتوبر 2010: شيء يستوقف النخل


شيء ما يستوقفه عندما يلمح النخل من بعيد.. هوالذي جعله الاستغراق في عمله وحياته القاهرية لا يرى النخل إلا نادرًا.. ربما مصطنعًا نظيفًا على رصيف واسع، أو واقفًا ببلاهة على هامش حديقة يحدق بعيون فارغة في أناس لا يشمون رائحته.. لا يعرف رائحة النخل إلا من هم مثله.. هو الذي كان يصحو كل يوم في فراشه الصغير وسط النخل ليجد في عينيه شمسًا تزاحم كي تصل إليه بين السعف الشاهق الارتفاع.. وفي أغصانه خفقان صباحي يشبه حركة الطيور العديدة التي تملأ دارهم الصغيرة.. وفي أنفه رائحة عجين يمتزج بالندى.. هي ذات الرائحة التي دفعته للإقامة في طابق عالٍ في شارع لا يحوي نخلاً أو أشجارًا من أي نوع.

شيءٌ ما يستوقفه عندما يلمح النخل من بعيد.. هو الذي غرس نخلته الأولى أمام دار صديقه الوحيد عيسى الذي سقط من فوق الأرجوحة ذات يوم فتهشمت رأسه.. هو الذي كان يشعر بنوع من الزهو الطفولي لأنه يصنع شيئًا يشبه وفاء الكبار.. وكان كل يوم يتأكد من أن نخلته الصغيرة في مكانها ولم يقتلعها أحد.. وأنها تكبر وتصعد حتى تصل إلى السماء مثل النخلات اللاتي ينام تحتهن فتلامس إحداها خد عيسى وتقول له ألا يخاف.. حتى قلَّت زياراته وابتعدت طرقاته عن منزل عيسى بعد أن وجدها تصعد محنية، وتتوقف عن الارتفاع بعد أن – بالكاد - تجاوزت ذراعه حين يرفعه عاليًا فوق رأسه.

شيء ما يستوقفه.. ربما الجرح العميق في كفه الأيمن الذي يلازمه منذ حمل فأس أبيه ليحصد أعناق النخيل المائلة القصيرة بلا مبرر.. وربما سيارته الـ BM التي اشتراها بعد أن أصر - في موقف كان مفاجئًا لأمه تحديدًا – تلك السيارة التي سيتركها تغرق في بقعة غير مأهولة في البحر بينما يقف على الشاطئ يتنفس بارتياح عميق كأنما لأول مرة. وربما هي صورة لا يستطيع تذكرها لسعف شاهق الارتفاع تزاحمه الشمس كي تصل إلى عينيه وتوقظه كل صباح.. سعف لا يشبه أبدًا نخل الأرصفة والحدائق التي تصل بالكاد إلى ذراعه حين يرفعه عاليًا فوق رأسه.

مصطفى السيد سمير

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق