الخميس، 28 يوليو 2011

الارتجالة الحادية عشر: مائدة لشخصين


بمجرد أن وضع قدمه على بوابة المنزل القديمة، بعثت ضربة قدمه القوية غبارا خفيفا ظل يتكاثف بالتدريج.. يصعد يكبر حتى صار أشبه بظل عملاق يتشكل فيماثل هيئته القصيرة ورأسه الصلعاء ومشيته ذات الخطوات السريعة.. تسرع بعد جهد بفتح البوابة الداخلية الضخمة كي يتمكن من الدخول دون أن يترك ولو جزءًا صغيرًا يجعل الجيران يتكلمون.. بمجرد أن (...) تغلق النوافذ والبوابة الخارجية، يرفع رأسه ليتأمل ذلك الطيف الهائل من البخار الذي يتشكل فيماثل هيئة زوجته الممتلئة مجعدة الشعر.. زوجته التي كانت تواصل عملها في إعداد المائدة. مائدة صغيرة تكفي لشخصين.
... ..
-        لأ.. أول ما اتجوزنا ياسيادة القاضي.. مكنش كده.. كان مفهمني إنه طبيعي.. زيي يعني.. أنا لما عرفت ما صدقتش.
-        حد غيرك لاحظ عليه حاجة من الجيران مثلاً؟
-        الجيران؟
بدا الأمر يصبح ملحوظًا في السنة الأخيرة تحديدًا.. لم يعد للقائهما الجنسي إعصاره السابق.. لم تستلق على ظهرها وتتأمل طيفي الغبار والماء يدوران حول بعضهما البعض فيزيحان الملاءات والمرايا والأثاث والجدران لم تتسع الغرفة كالكون ولا ينسحق جسداهما الضئيلان تحت اللذة العنيفة.. لم ترتم فوق جسده المترجف ولم يتذكرا في غمرة الضحك والارتجاف تلك الهيئة المذعورة التي كانت عليها أمه  -البشرية- حينما زارتهما ليلة زفافهما فوجدت جدران الغرفة مغطاة بطبقة دافئة من الوحل..
فقط أدار لها ظهره
-        أيوة أنا.. ملبوس.. مش حقيقي يعني.
..
-        الجيران كانوا بيسمعوا أصوات غريبة طالعة من بيتنا.. بس مكانوش يقدروا يحددوا إيه ده.. أنا زهقت.. تعبت من الراجل المزيف ده.
..
حينما مرت في شوارع المدينة بعد دقائق من الحكم بالخلع.. كان كل همها ألا تنخدع كما كان يحدث في السابق.. فقط أخذت تتأمل الأطياف الهائلة المصاحبة للعابرين.. تتأمل ببطء..
مصطفى السيد سمير

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق