الأحد، 25 مارس 2012

الارتجالة التاسعة عشر، ارتجالة نجيب محفوظ: الطريق


تسأليني عن الروح. إنما الروح هي من أمر أبي. ألم تجديني لقيطًا في شط البحر؟ أذكر موجة سوداء كادت تجرفني لولا التقاط الصياد لي. لا تتعجبي فالعلم أثبت قدرة الإنسان على تذكر كل شئ. بدءًا من تكونه داخل بطن الأم حتى موته. أذكر لحظات الرضاعة المريرة. لم أكن أطيق طعم اللبن. أذكر ملامح وجه أمي السمراء جيدًا. تتجسد في منامي كل يوم. تجعلني أقسم كل يوم وليلة أنك امرأة طيبة، ولكن لا تحاولي إقناعي أني خرجت من رحمك.. أتعلمين.. كنت سأقتلك. أشق فرجك وجسمك إلى نصفين. أبي كذلك لن يفلت مني. حلمت مرة أن أبي قتل أمي. قطع نهديها بسكين فنزفت حتى ماتت. إذن أمي ماتت؛ لأني لا أحلم إلا بالصدق. كل شئ يقيني. الشك الوحيد عندي هو ظلم أمي. أشعر أنها بريئة، وقد غصبها أبي على حرمانها مني. لو كنتِ أمي لضممتك إلى صدري. من قال أني سأشقها نصفين؟
***
لا جدوى منكِ. تضيعين وقتي. بحثي عن أبي هو هدفي الأوحد. أنتِ لا تعلمين أي شئ. أبي لم يكن صيادًا! أبي صاحب مصنع حديد. كنت أسمع بين الحين والحين أصوات معدنية غليظة. يمكنني أن اشتغل معه في المصنع. فمهارتي اليدوية أكسبتني خبرة في كل شئ ثقيل. ولكني سئمت من عملي. أرفع حقائب وصناديق مليئة بالكراكيب وأجرد الكراكيب وأصنفها. عمل ممل. ألن تساعديني في العثور على الكنز؟ سأغتنم أبي، ونقتله سويًا. وأكون أنا الوريث الوحيد شرعًا. أليست لديكِ خطة حتى لا ينكشف القاتل؟ استغل عم صلاح الغلبان؟ فكرة مثيرة. هو غلبان مثل من تدعي أنها أمي. ويستحق مغامرة من نوع أخر في حياته الرتيبة. تشتاقين إلى الجنس؟ فما فائدتي إذن؟ تعالي يا حبيبتي. نهداكِ يذكراني بنهديّ أمي. سأنام، لا جنس اليوم!
***
تقولين أنك وجدتين اسمه؟! يسكن بحلوان؟ كثيرًا ما توقعت أن من وراء التعليم فائدة. أشكرك بشدة. سأعزمك على العشاء اليوم. أريد أن أسألك سؤالاً: لماذا تهتمين لأمري بهذا الجد؟ لأني إنسان طيب القلب! أتعلمين.. أنتِ الوحيدة التي تفهمني من دون النساء... لم تنزعجي من تقبيلي لكِ؟ تصمتين كصمت أمي. كنت أحبها عندما أتأمل صمتها. وأكره أصوات الاحتكاكات المعدنية. أنا أحبكِ. سأعثر على أبي غدًا.
***
أين هو؟ العنوان غير موجود. وجدته بشكل مغاير ويقطنه أناس أخرون. أين هو؟ العنوان صحيح. ولكن صاحب العنوان سافر لندن منذ ثلاث سنوات أين هو؟ أتذكر ملامحه. لو رأيته سأعرفه. هل أسافر إلى لندن؟ ... هناك رجل يمشي في الشارع بعكاز حديدي. فلأركض وراءه. معقول! أبي هو ذلك الرجل العجوز؟ أراه كذلك على الرصيف يجلس كالشحاذين. أراه يخرج من سيارة فخمة يشعل سيجارًا. أراه في كل مكان!
رأسي يؤلمني ولا أكاد أتحمل. أركض. أهرب من ذلك الزحام، أنت تكاد تجن. أصاب بإغماءة تحت شريط السكة الحديد. أرى أبي بعد أن قطع نهديّ أمي قام بإخصائي. ينزف الدم، بينما أسمع دوي القطار يقترب من رأسي.

أحمد الصادق

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق