الأحد، 14 أبريل 2013

الاتجالة الثلاثون: خروج


مثير الارتجال: (عبد الوهاب المسيري، حديقة الأزهر، 1492)

خروج
وقف بابلو على بوابة الميناء واصطف طابور من سكان غرناطة ما بين عرب مسلمين وموريسكيين، رجال ونساء وأطفال تاركين آمالهم وأحلامهم وأيامهم وحيوات عاشوها في غرناطة. ولما خيروا ما بين العيش في صمت تحت حكم فرناندو أو الرحيل إلى بلاد المغرب اختاروا الرحيل.
وقف بابلو ينظم الطابور وصاح:
قفوا بنظام، أنتِ أيتها المرأة هناك انتظمي في الصف، وهذا الطفل ابن من؟ وأنت أيها الجالس هناك قف حتى يسير الطابور...
تقل حدة الصوت ويقول: أُفٍ لكم أيها المسلمون دائمًا بلا نظام.
يسير الطابور قليللاً حتى جاء دور المرور من البوابة لرجل كبير السن يسير مستندًا على كتف طفل صغير يحمل صرة في يده.
بابلو بخشونة: اسمك؟
الرجل بابتسامةٍ هادئة: عبد الوهاب.
عقد بابلو حاجبيه وبنفس الخشونة: وما في هذه الصرة؟
الرجل: إنها ملابس
ازدادت حدة بابلو فجذب الصرة وفكها وألقى ما فيها على الأرض وقال أرني ما فيها.
عبد الوهاب بنفس الابتسامة: هل وجدت ما تريد؟
رفع بابلو وجهه وجز على أسنانه ثم امسك الطفل من ملابسه وقال: ومن هذا الطفل؟
تشبث الطفل بملابس عبد الوهاب، فقال عبد الوهاب بهدوء: هذا حفيدي سعيد.
بابلو: وأين أبويه؟
عبد الوهاب: استشهدا في حروبكم
بابلو بابتسامةٍ ساخرة: تقصد انهرسا تحت سنابك خيولنا
هز عبد الوهاب كتفيه وقال: أيًا ما كان لن يغير الوصف الحال.
بابلو: إلى أين أنت ذاهب؟
عبد الوهاب: أرض الله واسعة سأذهب إلى أي مكان ممكن العيش فيه بحرية.
بابلو: إننا استرددنا أرضنا وأنتم من احتلنا.
عبد الوهاب: على من تتكلم يا بني؟
بابلو: أنتم..المسلمون.
عبد الوهاب: نعم أنا مسلم ولكني من هذه الأرض وأجدادي من هذه الأرض.
بابلو: أنتم من قلبتم كنائسنا إلى مساجد لكم
عبد الوهاب: كان هذا قديمًا، الآن أنا لي مسجدي وأنت لك كنيستك.
بابلو: أنتم تكرهوننا وتقولوا علينا كفار.
عبد الوهاب: هل كنت تحاربنا كأشخاص أم تحارب كتابنا الذي لم تقرأوه؟
صمت بابلو قليلاً واتسعت عيناه للحظةٍ وقال: هذه أرضنا.
عبد الوهاب: أرضك أم أرض الله؟
بابلو وهو عاقد حاجبيه: نحن فيها من قبلكم.
عبد الوهاب: ونحن أتينا نكمل معكم.
بابلو: ولكنكم غيرتم حياتنا.
عبد الوهاب: أنتم قبلتم الأفكار التي أتت إليكم.
بابلو صائحًا: أتت إلينا بالسيوف.
عبد الوهاب: السيوف لا تعيش حادة ثمانمائة عام... إنها الأفكار يا بني فهي لا تصدأ.
بابلو بعصبية بالغة يجذب عبد الوهاب من ملابسه: اخرج ولا تأتي مرةً أخرى أنت وحفيدك الأبله.
عبد الوهاب: سأخرج لأعيش مرةً أخرى أما أنت ستظل واقفًا مكانك.
يربت عبد الوهاب على كتف الطفل ويسير ناحية الميناء بهدوء وبابلو ناظرًا إليه جازًا على أسنانه.

شريف عباس

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق