الاثنين، 25 نوفمبر 2013

القصة الفائزة بالمركز الخامس في مسابقة مغامير للقصة القصيرة


أصل و صورة


بعد الانتهاء من مشهد رومانسي.. حجرة خافتة الاضاءة ومنارة بالشموع .. كأسين شامبانيا أحدهما ممتلئ وقطع التفاح تغطي منتصفه والاّخر فارغ والزجاجة نصف ممتلئة .. ملابس ملقاه في أرض الغرفة .. العريس نائم والعروس تحضن قدميها بكلتا يديها ...
لم يعد للكلام دور، الصمت هو المهّيمن الأكبر على المشهد ككل.
........................
 الروب الدانتيل الأبيض يكاد يغطي جسدها العاري. اتجهت على أطراف أصابع قدميها للغرفة الخالية والتي بها مرآة قديمة قد أحضرتها من منزل أهلها.
أنارت شمعة ووضعتها بعيدًا لينعكس ضوئها على سطح المرآة..بعد أن اطمئنت لعدم شعوره بخروجها من الغرفة اغلقت الباب بالمفتاح، واتجهت نحو المرآة فخلعت الروب لينتفض جسدها بالعرق أمام (جسد) المرآة .. تسترجع ذلك المشهد الذي أكسبها صمتًا فوق صمتها (قبلاته لشفتيها الصغيرتين الممتلئتين، ملامسته لجسدها، مداعبته نهديها ومروره بين فخذيها)، فتغمض عينيها  وتتكأ على (جسدها) ليكسبها سطحها البارد دفئًا طالما تفتقر إليه...
..............................
ما أشبه الليلة بالبارحة .. لم يتغير ولم تستطيع تغيره أو تتغير هي .. لم يشعر بوجودها أو بكونها كيان وله حقوق كما دومًا يحقق ما عليه من واجبات .. لم تحاول هى الاأخرى أن تجد ذاتها بعيدًا عنه، حتى أن الفكرة ذاتها لم تخطر ببالها.
تمر الأيام بروتينها الممل .. لا يُشكل لها النهار سوى أوامر وأعمال غير متناهية، فتسترجي سكون الليل حيث تُفيض للمرآة بما تحوى من مشاعر مكبوتة عبر النظرات المفخخة، وكأن النظر للمرآة ليلاً –رغم تحذيرات الأهل بجلب الشيطان القرين- هو أقصى إرادة تستطيع أن تثبتها لذاتها على مدار حياتها، وهو السبب الحقيقي لاحضارها لتلك المرآة المتهالكة من بيت أهلها.
.............................................
الليلة .. عندما تتحسس جسدها على سطح المرآة أحست بأن شيئًا ما قد تغير، بروز يتزايد عن الأيام السابقة  يصحبه بعض التقلصات...
أدركت بعد عِّدة أشهر أنها حامل، فنفذت حرفية "الحامل" وكأن ما برحمها لا صلة لها به سوى أنها وعاء حامل له.
أخذت تتابع نمو جنينها وتتلمس حركاته في صورتها على جسم المرآة  تتباعد المسافة عبر الأيام ويرهقها التعب لأيامٍ أخرى لا تستطيع أن تصل للغرفة الخالية حتى وضعته فكانت تفضل أن  ترضعه ليلاً أمام المرآة و تتحسسه وتفضي بمشاعرها وغريزة أمومتها عن بُعد...
ربما صمتها ورهبتها من البوح بمشاعرها هو ما جعلها تتذوق الإحساس بتحسسه أو برؤيته مجردًا عبر جسم المراّة، فهى الاّخر لا تبوح، بل تعكس ما أمامها فحسب.
.............
جعلت من الصور عالم جديد تضحك إليه وتبكي معه وترسل إليه بالنظرات تارة أخرى فكانت صور ابنها في مراحل نموه المختلفة الملتصقة على جسد المرآة، هى الذكرى والحاضر وبوح المشاعر واطلاق العنان لغريزةٍ سامية؛ لتتحسسها وتمرر بيديها على تفاصيلها، تحتضنها عندما تلصق جسدها بالمرآة...
بمرور الأيام وتزايد الصور.. ازدحم جسم المرآة ولم يبق سوى فراغ بسيط يسمح لوجهها بالظهور، ذلك الوجه الذي يتضائل ويبدأ في الشحوب، فتغيب بالأيام وتبتعد عن الالتصاق بها، لتعاود ظهورها مرة أخرى كصورةٍ ملتصقة على جسم المرآة.

باسنت حسين

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق