الثلاثاء، 8 أكتوبر 2013

الارتجالة الرابعة والثلاثون: مشروع للسلام الدائم


كيف ترى العالم؟ بدمائك أم بمخالبك؟
نعم ليست العين فقط هي ما ترى.. ولكن رؤيتها خادعة. لن ترى بها حتى لو أشفقْتُ عليك وأبقيت عليها. لا تخف فلن أفقأها لك. ربما لو علمت الحقيقة، ستعطيني دماءك ومخالبك كهدية لي كي أفقأهما معًا.. عيناك لا ترى، وهي أشياء تُشْتَرى. فلتحصل على جوهرتين أقيم لك.. تشتري بهما حصاد دمائك، أو غنيمة مخالبك، فالخيار لك.

يُحكى أن في أحد العصور الغابرة، كان هناك جندي يُدعى (آلة القتل الميكانيكية). آلة لأنه كان يتبع التعليمات والأوامر العسكرية دون تعقيب أو استفسار.. "القتل" لأنه كان مشهورًا بقتل أي شئ متعارف عليه آنذاك أنه يتبع تصنيف الكائنات الحية. سواء من البشر، أو الحيوانات، أو النباتات، فقط يستمع إلى أمر، أو إشارة إلى أمر بالإبادة. تنفرج أساريره، ويبيد كل شئ.. أما "الميكانيكية" فذلك يرجع إلى روايتين.. الأولى أنه كان يستعمل السلاح على الوضع الآلي دائمًا.. والثانية أنه لا يُفرِق بين العدو الأعزل والمسلح، الأسرى والمقاتلون، الشاب والفتاة والعجوز والطفل، فقد كان يقتل كل هؤلاء دون تمييز، بالضبط كالآلة الميكانيكية.
وفي ليلة من ليالي الشتاء المظلمة، بينما كان يقف الجندي لا تفرق بينه وبين عمود الصبار جواره، يحرس مخزن ذخيرة الكتيبة أيام الحرب.. رأى بعينيه خنفساء كالحة السواد تتسكع أسفل قدميه. رمقها بمخلب عينيه، واستفاقت آلة قتله الميكانيكية ودهسها بنعل حذائه الحديدي، ثم ابتسم ابتسامة نصر ورفع قدمه. بينما تُكمل الخنفساء تسكعها وكأن شئ لم يحدث.. فأعاد الكرة بعنفٍ مزدوج. ورفع قدمه مشدوهًا. مازالت في تسكعها، وكأنها تتمشى مع حبيبها على الشاطئ فأمسك بسلاحه الآلي وضربها بقوة بدبشك البندقية الخشبي على ظهرها الأسود المصفح.. وجدها تمشي ببطء حاملةً فوق ظهرها أثر الضربة حيث تقعر للداخل قليلاً.. كاد (آلة القتل الميكانيكية) يُجن.. فانهال عليها بضرباتٍ متتالية بقدمه وبالدبشك معًا.. زادت تقعرات ظهر الخنفساء، ولم يبد عليها أنها تفقد الحياة، مازالت تمشي، ولكنها تزحف ببطء، في يأسٍ تام، كالتائه في الصحراء الذي وجد أخيرًا بئر الماء.. هنا قلب الجندي سلاحه وقرر أن يخترق الخنفساء بفوهة الماسورة الحديدية.. في الضربة الأولى جاءت الفوهة بجانب الخنفساء فكشطته واندفعت الخنفساء مسافة خطوتين بعيدًا عن الجندي..
في الضربة الثانية اخطأت الفوهة الإصابة ولكنها قطعت أحد أطرافها الستة.. في الضربة الثالثة، كانت الخنفساء تنظر بعينٍ دامية للجندي، وكأنها ترجوه بكل سلام أن يُنهي حياتها الآن ولا يخطئ الجندي..
تأملها الجندي قليلاً قبل أن ينفذ الرجاء كما تعود أن ينفذ الأوامر.. واخترقت الماسورة الخنفساء.. رفع الماسورة وبها الخنفساء مقابل عينيه، ونظر إليها طويلاً.. كان عقله الواعي قد قرر منذ البداية أن يأكلها.. ولكن الآن، هناك جزء من لا وعيه المحمل بالدماء قد بدأ في الفيض لأول مرة في حياته.

أحمد الصادق

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق