الخميس، 15 سبتمبر 2016

الارتجالة التاسعة والأربعون: أحلام بالصلصة

أول مرة هي الأصعب، التردد المصاحب لأول خطوة وتوقعك لرد فعل الآخرين المتأفف يجعلك تتوقف لحظات، لكن كلماته المتأرجحة بين التشجيع والتوبيخ تحسم الموقف.
- مساء الخير... ممكن لحظة من وقتكم...
لم تكمل ما تدربت عليه وابتعدت حتى قبل أن يتأففوا ويشيحوا بوجوههم بعيدًا!
_ _
بعد أن تم تثبيتك وأخذ ما معك من مالٍ وكذلك موبايلك التاتش الذي اشتريته من (تحويشة) خمسة أشهر، صار التليفزيون هو متعتك الوحيدة يوم الأجازة.
بعد أن تعود فجرًا وتسرع في أخذ دش بارد حتى لا تبرد الكفتة. وبعد التهامها تتلذذ في رشف كوب النسكافيه 3 x 1.
تضغط زر الريموت على قناتك المفضلة مندمجًا مع الفيلم الأجنبي الرومانسي، تعيش دور البطل حتى أنك تجد نفسك تنفعل مثله في مشاهد و(ترطن) بكلماتٍ غير مفهومه ـ مثله ـ و... تصل للحظة المنتظرة..
لقطة للبطلة في ملابس مثيرة ومشهد رومانسي..
تضغط زر إيقاف الصورة و... تسرح.. حتى البلل!
_ _
الخبرة هي ما جعلتك تعرف كيف تختار زبونك من بين كل رواد المقهى، تختصر وقتًا وجهدًا في اللف غير المُجدي على أولئك المفلسين والمقتولين بالملل، ترابيزة واحدة محددة هي هدفك تعرض لها بضائعك ـ أيًا كانت ـ ساعات صيني، طقم مفكات، شرابات رجالي، أحزمة... أي شيء.
تراهن بخبرتك ولباقتك التي اكتسبتها عبر مئات الترابيزات وآلاف الوجوه. رهان تكسبه أحيانًا وتجني العمولة...
وتخسره أحايين وتجني الخيبة!
بعد أن عشت كمصارع روماني يقهر الرجال والأسود، بضغطة على الريموت عشت دور ذلك الممثل الأسمر الذي تعرفه ولا تعرف اسمه في فيلم عن السعادة، ثم جاء الدور المنتظر والفيلم الرومانسي و...
لماذا أنهيت ربع الكفتة كاملاً ولم تنفذ قرارك لترك ساندويتش لما بعدها... ها أنت قد انتهيت  وتشعر بالجوع الذي جعلك تفكر:
لماذا في حالة الجوع الجنسي نتخيل... نصل لذروة.. نشبع، أما في حالة الجوع فإننا عندما نتخيل ـ طعامًا ـ فإننا نجوع أكثر!
_
تغير الحال، ازدادت وجوه الناس اكفهرارًا وعز مدهم لإيديهم لإخراج المحفظة، كلماته صارت عصبية أكثر مع ضعف الإيراد..ز
لم تعد تبيع الأشياء المعتادة بعد أن استغنى عنها الناس، صرت تبيع فقط مقويات جنسية ـ صيني ـ رخيصة.
ها أنت قد مللت الكذب والابتسامة المصطنعة وتأفف الناس، ولأول مرة ترد على توبيخه لك بكلمةٍ قبيحة تنال بها من شرف أمه.. لم تفكر في أي شيء لكن الكلمة أراحتك!
_
- أيوه شغال وسليم والله.. ظروف.
تُنهي المكالمة وتنتظره حتى رن الجرس.
يدخل بوقاحة دون سلام ويحمل التليفزيون والريسيفر معطيًا إياك الثلاث ورقات المُتفَق عليها.
تجلس على الأرض متنهدًا وتُخرج الموبايل..
- أيوه يا ريس عاوز نص كفتة لو سمحت!


طارق رمضان

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق