الأحد، 16 يناير 2011

الارتجالة الرابعة: النص الحادي عشر


"حين قالت جدتي لأمي ثالث أيام العزاء: "أبوك معي..إنّه لا يفارقني لحظة حسبتها أمي جملة تقليديّة عابرة، مما يقال دومًا في مثل هذه الظروف".
"أبوك معي، إنّه لا يفارقني لحظةً!"
هكذا جاوبت جدتي، والتعجّب في صوتها يُنبت الدمع في دم أمي
وفي الهاتف الأسود الأثريِّ الذي اعتاد لون البكاءِ
وصار يردد في الليل -من نفسه- تمتماتِ العزاءِ
"أبوكِ معي..
كيف أجلس وحدي؟! متى كنتُ أجلس وحدي؟!
أبوكِ معي..
لم ينم، ما يزال هنا جالسًا..
يشرب الشاي بعد الغداءِ..
يدخن رغم اعتراضي..
تعالَيْ وقولي له إنه سوف يحرق أنفاسه المرهقاتِ ويتركني للعناءِ
فإني تعِبـْ..."
(يا حبيبي ألم نتفق أن تدخن سيجارة وتكفَّ؟)
وفي لحظةٍ
تتسمر نظرة أمي
تُراوح دمعتُها في الهواءِ
ويرتجف الصوت في دمها المتجمدِ:
(أية سيجارةٍ؟ هذه شبه سيجارةٍ! أنا ما كدت أشعلها..
آهِ! أين زمان الرخاءِ
زمان الضمائرِ!
صاروا يغشون تبغ السجائرِ
يحشونها بالهراءِ!)
"أبي!"
"أرأيتِ؟! يعاندني مثل طفلٍ صغيرٍ.."
(-أنا لست طفلاً! أنا...)
"أنت طفلي أنا.. (قبلةٌ)"
"كيف...؟ من...؟"
"لا عليكِ.. دعيه فهذا أبوكِ، عنيدٌ عنادكِ..
أترككِ الآنَ حتى ألمَّ الأواني..
سلامًا"
.. وتتركها
أذنًا لا تزال تطنُّ
وسماعةً لا تزال تئنُّ
وعينًا معلقةً في الخواءِ 

نزار شهاب الدين

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق